بسم الله الرحمن الرحيم
" الذين يستحبون الحياة الدنيا علي الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد "صدق الله العظيم
( إبراهيم - 3 )
عدالة المحكمة :-
في الماضي السحيق .. وقت أن كانت البشرية تتيه في دروب مدلهمة من العادات البدائية ... والممارسات البوهيمية ... شهدت قرية سدوم فاجعة أخلاقية تواطأ عليها أهلها حين حادوا عن طريق السواء ... وراحوا يأتون الرجـــــال شهوة من دون النســــــــــــــــــاء ...
ضاربين عرض الحائط بدعوة نبي الله لوط .... الذي ما فتئ يعظهم وينهاهم عن إتيان هذا العمل الخبيث .... وهو ليس إلا إنتكاسا في الفطرة .... وإنغماس في حمأة القذارة .... وإفساد للرجولة ... وجناية علي حق الأنوثة .... فدمغهم القرآن الكريم ... الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بالإسراف ...
" لوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد في العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون "
( سورة الأعراف - 80 )
وبالعدوان ...... " بل أنتم قوم عادون "
( سورة الشعراء - 166 )
والجهل ........ " بل أنتم قوم تجهلون "
( سورة النمل - 55 )
والإجرام ...... " فانظر كيف كان عاقبة المجرمين "
( سورة الأعراف - 84 )
فكانوا العبرة لمن يعتبر ومن كان في وجهه حمرة من حياء أو خجل :
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقي العود ما بقي اللحاء !!
ثم توالت القرون ... وتتابعت السنون .... وسمعتهم لم تزل ملطخة بكل ما يشين ... وكيف لا ؟ وقد كانوا من الشر بمكان .... لا يستقبحون قبيحاً ... بل تمادوا في غيهم يعمهون ... حتي أمطر الله عليهم وابلاً من السماء دمرهم وجعل عالي قريتهم سافلها فساء مطر المنذرين ! فهل طويت هذه الصفحة المشينة من سجل الإنسان .... خليفة الله علي الأرض منذ أنشأه - سبحانه - منها واستعمره فيها ؟ وهل اختفت هذه الفعلة النكراء بعد أن خسف الله بقوم لوط وسامهم سوء العذاب ؟
لم يشأ ذلك نفر ظلوا يطلون برؤوسهم من جحور الزيلة ... ويتحينون الفرصة تلوا الفرصة ... لينفثوا سم شهوتهم الزعاف ... ويعيدوا سيرة قوم لوط الأولي .... ويستهويهم من مكان إلي مكان .... وزمان إلي زمان اقتراف الإثم والخطيئة ...
بيد أن مجتمعنا الشرقي جبل علي مج هذا الشذوذ عن السواء مجا ... وجابهه ديننا الحنيف ومن قبل وجميع الأديان السماوية بشدة لا تعرف الهوادة أو اللين ... وعد ديننا الحنيف اللوطي من الملاعين ...
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لعن الله من عمل عمل قوم لوط ... لعن الله من عمل عمل قوم لوط ... لعن الله من عمل عمل قوم لوط"
وقد اعتبره الإنجيل رجساً من عمل الشيطان فقال " لا تضاجع ذكرا مضاجعة إمرأة .... إنه رجس "
( سفر اللويين - إصحاح 18/ 22 )
وماذا يبقي للرجل .... بعد أن يسلب شرف نفسه فتضيع عزتها ونخوتها ويصير مخنثاً لا أمل فيه ولا رجاء ؟! وكيف يكون حال الأمة ... سوي أن يصير رجالها كنسائها إذا سكتت علي الفسق والفجور ....
وقد أثر عن الإمام ابن القيم قوله :
" إن في اللواط من المفاسد ما يفوق الحصر والتعداد .... فالمفعول به يفسد فسادا لا يرجي له بعد صلاح أبدا ... يذهب خيره كله ... وتمص الأرض ماء الحياء من وجهه ... فلا يستحي بعد ذلك لا من الله ولا من خلقه ... وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن ".
فسحقاً ثم سحقاً لكل نفس تجردت من أداميتها وآتت من الفعال ما يأباه الإنسان السوي ... وما حرمه الشرع والقانون !
وسحقاً ثم سحقاً لكل من يأخذ بتلابيب الإنسانية قروناً إلي الوراء .... بعد أن أعزها الله بالأخلاق التي حثت عليها الشرائع والأديان ...
وتبت يداه كل من يحاول النيل بالتأويل الفاسد والتحريف الباطل لنصوص ديننا الحنيف .... الذي يقف شامخاً كالطود العظيم .. لا تهز كيانه سقطة ضالة أو هفوة باطلة ... ولا تزلزل ركنا من أركانه ترهة هازئة أو شطحة مجانبة ... ولا يضيره كيد حاقد أو عبث ماجن ... فإنما أناط الله حفظه بجلاله فكفل له الدوام والبقاء ..
فقال تعالي وقوله الصدق " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "
( سورة الحجر - 9 )
فلتذهب كل أفاعيل المجان سدي .... فليست إلا هباء منثورا تذروه الرياح ... فيرتد إليهم عذابا وبيلا ... فهل اقتصر جرم هؤلاء المتهمين علي ممارسة اللواط والفجور مع الرجال ؟
ومن جماع هذه الأدلة ... يبين لعدلكم كيف استباح هؤلاء المتهمون جميعاً حرمة أنفسهم .... وراحوا يعبثون بها ... ويعيثون فسادا وإفسادا ... ضاربين عرض الحائط بتقاليدنا وأعرافنا ... وما ربانا عليه ديننا القويم ... وحثت عليه الفضائل والأخلاق ...
" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " صدق الله العظيم
( سورة البقرة - 204 ، 205 )
عدالة المحكمة :
إن مجتمعنا وهو يتطلع إلي تبوء مكانته في عالم التحضر والتمدن .... لينتظر من أفراده جميعاً أن تتساند أيديهم وتتداعم رؤاهم في تطهيره من هؤلاء المفسدين وأمثالهم ... واستئصال شأفتهم وجذورهم حتي لا يبقي مكان لدعي ... يأخذ بتلابيبه إلي خرائب الفكر الخرافي الذي حاربه الإسلام الحقيقي منذ ظهوره ....
ولسنا بذلك ... كما قد يحلوا للبعض أن يتشدق في الداخل أو الخارج نحجر علي فكر ... أو نحد من حرية في الإعتقاد أو العبادة ...
فإنما الحرية الحق في بناء المجتمع لا في هدمه ....
الحرية الحق في تصحيح ما أعوج .... لا تعويج ما صح ... والانحراف بتأويله إلي مدارك الجهل والضلالة ....
فحرية الاعتقاد والحرية الفردية كلتاهما حق أصيل لكل فرد ... قد صانهما الدين نفسه ..... وأحاطهما الدستور بضمانات تكفل عدم المساس بهما ....
ونحن إذ نقف في محراب العدل ... فإنما ندافع عن الحرية التي يخلخل أركانها الفكر الهدام الخرب .... مهما تزيي بكلمات الحق التي يراد بها باطل ......
ومن ثم سيدي الرئيس :
فإن النصفة لهذه الحرية .... والصون لها من أيدي العابثين ... وحفاظاً علي دين الله الحنيف من أفكار اللاهين الجاهلين ... وحرصاً علي مجتمع آمن متدين بطبعه .... وسط في عقيدته ....
فإن النيابة العامة تطالب المشرع - وتهيب به - بتشديد وتغليظ عقوبة جريمة المادة 98 ( و ) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 نظراً لخطورتها وجسامتها علي البلاد والعباد ... تطالب المشرع بتشديد عقوبة هذه الجريمة لأنها تمس الأديان السماوية ... والطوائف المنتمية إليها ....
تطالب المشرع بتشديد عقوبة هذه الجريمة لأنها تغرق المجتمع في وحل المفاسد .... وتقضي علي كل أخضر جميل من الفضائل والأخلاق ...
سيدي الرئيس :
لقد نالت هذه القضية ... علي قبحها ووضاعة الجريمة فيها .... قسطاً وافرا من اهتمام الرأي العام المصري والعالمي .....
ليس لأن عصبة الإجرام فيها قد زاد أعضاؤها حتي جاوزت الطغمة خمسين رجلا ..... ولولا عناية الله ويقظة الجهات المعنية لاستشري وباؤها في أوصال غيرهم ممن قد تنطلي عليهم أفكارهم ... فينخدعون بها دون أن يدركوا أنها تقطر في أبدانهم سماً زعافا ... وتشكل علي سلامة مجتمعهم خطرا وبيلا محدقا ....
وليس لأن المتشدقين والمستترين خلف دعاوي الحرية الفردية ... يلوكون شعاراتها .... ويتوارون وراء طنينها .... قد حاولوا أن يقيموا الدنيا ويقعدوها تحسرا علي حال المجتمع المصري الذي وصموه بالرجعية وهضم حقوق الإنسان .... وتحبيذا للسلوك الشاذ المنحرف ... وتقليدا أعمي لبعض الممارسات غير السوية التي تسمح بها بعض المجتمعات الأجنبية ... دون أن يعوا بأن قضية كهذه لا يمكن أن تندرج بحال تحت مسمي حقوق الإنسان .....
فأي إنسان هو ، الذي يتشدقون بحقوقه ؟
الإنسان عرفا وقانونا وشرعا هو الإنسان السوي الذي لا يعمد إلي انتهاك خلقة الله فيعمد إلي قلب أوضاع ما خلقه الله به وعليه ، بل هو الذي يمارس الحياة العادية كسائر البشر ، أما من التوي ودنس خلقة الله وأخرجها عن مجال استعمالها الصحيح فهو ليس بالإنسان ، والإنسان الشاذ تسقط عنه الإنسانية ومن ثم لا يمكن أن يلتصق به وصف حقوق الإنسان .... فهذه الممارسات افتئات علي قيم المجتمع وخروج علي عرفه ودينه ....
وأي حق للرجل في التلوط برجل مثله وانتهاك رجولته وكرامته ؟
وأي حق للرجل في ازدراء واحتقار دين سماوي أنزله الله لهداية الإنسان ؟
ورسول الله صلي الله عليه وسلم قد نهي عن الضرر والضرار ...
أقول ، سيدي الرئيس .... ليس لهذا السبب أو ذاك سلط علي هذه الجريمة كل الضوء والاهتمام ، ولكنها تخلقت به نبذا واستياء لفعلة شذت عما توارثه هذا المجتمع من قيم وسلوك وأخلاق ... من هذا المنطلق كان إهتمام مجتمعنا باستئصال شأفة هذا السلوك المنحرف ... الذي هوي بهؤلاء المتهمين في درك أسفل في مدارك الخلق ...
إننا ، سيدي الرئيس ... حين نقف في هذا المحراب الطاهر الشريف .... لنقدمهم بين يدي عدلكم .... لا ننتقض أبدا من حريتهم الفردية ..
بل نعتمد إلي الحيلولة بينهم وبين التردي بها إلي مستنقع الإنحلال ... بكبح جماح الشر داخل كل نفس دنية ... تنظيماً للغريزة الجنسية ... وصوناً لهذا المجتمع من شيوع هذا القبح فيه ... وحماية للفطرة الإنسانية من الإعوجاج ....
مصدقاً لقوله تعالي ... وقوله الفصل :
" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " صدق الله العظيم
( سورة الروم - 21 )
فلا غرو سيدي الرئيس أن نهب إلي عدالكم ... لرتق هذا الخرق الذي حاول هؤلاء بإتيانهم الرجال شهوة دون النساء أن يوسعوا به ثوب الرجولة والكرامة والشرف .... وأن يهلكوا الحرث والنسل .... ولقد كان من الأحري بهم ... وغالبيتهم من الشباب .... أن يتقووا في أنفسهم بالايمان .... ويسلكوا الطريق القويم الذي رسمه ديننا الحنيف للإنسان في إشباع رغبته الجنسية ..... فيكفونا ويكفوا المجتمع مؤنة تناقل أخبار الفسق والإنحلال ؟ ولكنهم أبوا إلا أن ينساقوا وراء هذه الممارسات الشاذة والسلوكيات النادرة الكريهة .... وعاثوا في الأرض وفي أنفسهم فسادا حتي سقطوا بشرهم خلف هذه القضبان .... واستحقوا بعدلكم أقصي العقاب ...
يقول الإمام الشوكاني صاحب نيل الأوطار :
" وما أحق مرتكب هذه الجريمة .... ومقارف هذه الرذيلة الدميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ... ويعذب تعذيبا كبيرا يكسر شهوة الفسقة المتمردين ... فما أحق من أتي فاحشة قوم ما سبقهم بها أحد من العالمين ( يعني قوم لوط ) .... أن يصلي من العقوبة ما يكون في الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم .... وقد خسف الله تعالي بهم الأرض .... واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم "
وقد أجمع علماء الأمة قديمها وحديثها علي حرمة هذه الجريمة .... وعلي وجوب أخذ مقترفيها بالشدة .... وهو ما تطالب به النيابة العامة ، سيدي الرئيس فهي لاشك فاحشة مفسدة للفطرة .... وتصيب أي مجتمع إذا انتشرفيه اللواط بلوثة أخلاقية ... ولا غرو أن عاقب الله تنزهت قدرته .... عليها بأقسي عقوبة وجعل ذلك قرآنا يتلي ... ليكون نبراسا إلي الصلاح والطهر وهانحن ذا نتطلع إلي حكمكم العدل .... ليكون رادعاً لكل من تسول له نفسه ركوب متن الفسق والعهر والفجور ... سدد الله خطاكم .... ووفقكم إلي ما فيه خير وصلاح العباد والبلاد ..... وإنه نعم المولي ونعم النصير.
[ فن المرافعة أمام المحاكم الجنائية - د/ حامد الشريف - دار الفكر الجامعي - ص 135 ]
التسميات
مرافعات أمام القضاء