ثقوب في الثوب الأبيض
بقلم : د. نبيل مدحت سالم
أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس
في محكمة النقض القانون لايزال حتي اليوم
يقف حجر عثرة أمام تحقيق العدالة الانسانية التي تأبي إيلام نفس العقوبة قد يكون الحكم
بها نتيجة خطأ في القضاء أو مخالفة لأحكام القانون ولا يمكن تعويضها بعد استيفاء آلامها.
فعلي النقيض من جميع التشريعات الاجرائية
الحديثة لايزال قانون الاجراءات الجنائية المصري يتمسك بقاعدة الأثر السلبي للطعن بالنقض
علي إيقاف تنفيذ الحكم الصادر بعقوبة مقيدة أو سالبة للحرية بدعوي الحرص علي عدم تعطيل
القوة التنفيذية للأحكام الجنائية خلال مدة نظر الطعن بالنقض والفصل فيه وقد تطول أو
تمتد. فنصت المادة469 من هذا القانون علي ألا يترتب علي الطعن بطريق النقض إيقاف
التنفيذ إلا إذا كان الحكم صادرا بالاعدام. ولم يكن لهذا النص نظير في قانون تحقيق
الجنايات الأول والثاني. فكان يتعين إيقاف الحكم القابل للطعن فيه بطريق النقض إلي
أن يصبح باتا اما بانقضاء ميعاد الطعن بدون التقرير به أو الفصل في الطعن برفضه.
ولذا فإن الابقاء علي هذا النص بحالته تلك يعد ثقبا في ثوب العدالة الأبيض.
فقواعد العدالة تأبي أن ينفذ حكم جنائي
إلا إذا صار باتا أي إلا إذا استنفد طرق الطعن فيه ـ سواء العادية أم غير العادية ـ
وهي المعارضة والاستئناف والنقض. إذ قبل ذلك يكون الحكم محلا للجدل والمناقشة.
ويكون عرضة للالغاء ولا يعتبر بحال عنوانا للحقيقة. وإذا نفذ الحكم قبل صيرورته باتا
ثم ألغي من محكمة النقض بناء علي الطعن فيه تعذر علي المحكوم عليه أن يجني ثمار طعنه
واستحالت إزالة آثار تنفيذ الحكم عليه.
فالمحكوم عليه يستهدف بالطعن التوصل إلي
إلغاء الحكم الصادر ضده ونقض العقوبة المحكوم بها عليه متي كان في القضاء بها ما يخالف
القانون. وهذه الفائدة لاتتم إذا نفذ الحكم قبل الفصل في الطعن بالنقض المرفوع منه.
إذ يحدث كثيرا أن تستغرق دعوي الطعن مدة العقوبة المحكوم بها, وعندئذ لا يستفيد المحكوم
عليه من نجاحه فيها الفائدة التي قصد القانون أن يمتعه بها.
ثم إن الدستور والقانون خولا محكمة النقض
وحدها سلطة مراقبة صحة تطبيق القانون تطبيقا صحيحا علي وقائع الدعوي, وإلغاء الأحكام
الصادرة من آخر درجة بالمخالفة لاحكامه, وهذه السلطة لاتكون ذات فاعلية حقيقية إلا
إذا أفضت إلي محو هذه الأحكام محوا تاما وإعادة الحالة إلي ماكانت عليه قبل صدورها
الأمر الذي يتعذر كلية مع حصول شئ من التنفيذ.
ولا يخفي علي أحد مدي الجهد المضني الذي
يبذله قضاة مصر الشوامخ في إعلاء كلمة القانون وإرساء وترسيخ مبادئ العدالة. ولا
يخفي علي أحد أيضا أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات والحرمات في مواجهة كل صور
التحكم والتحامل والاستبداد, وهو العاصم لها من أي تعد عليها أو أي عبث أو جموح ينال
منها.
ومن هنا, ومن منطلق تحقيق العدالة الانسانية
التي وضع القانون لاحترامها واستجابة لرغبة القيادة السياسية في احترام آدمية الانسان
المصري وحماية وصيانة حقوقه وحرياته الأساسية واطلاق ملكاته وقدراته نهيب بالسيد وزير
العدل الجديد أن يبادر إلي إزالة هذا الثقب من ثوب العدالة الأبيض بتعديل المادة469
من قانون الاجراءات الجنائية بحيث يترتب علي الطعت بطريق النقض إيقاف تنفيذ الحكم الصادر
بعقوبة مقيدة أو سالبة للحرية.
منقول رابط الموضوع من هنا
التسميات
مقترحات تشريعية