الطعن علي المادة 20 المعدلة بالقانون 4 لسنة 2005 بعدم الدستورية
ونظراً لكل المأخذ
السابقة والمآخذ الأخرى التي رآها رجال القانون وما قدروه من عوار دستوري في هذا
النص فقد تم الطعن علي نص المادة 20 المعدلة بالقانون رقم 4 لسنة 2005 بعدم
الدستورية - في الدعوي رقم 125 لسنة 27 قضائية - وذلك استنادا إلي "مخالفتها
أحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم المادة الثانية من الدستور إذ بالغ في تدليل
الصغير دون نظر إلى مصلحته وما يحتاجه تكوينه مسقطاً حق الآباء في ممارسة سلطاتهم
وولايتهم عليه.
فضلاً عن مخالفة المادة التاسعة من الدستور لما
يؤدى إليه من تفسخ الأسرة وانهيارها بجعل زمام الأمر في يد المرأة والصغير،
ومناقضاً كذلك لمبدأ المساواة حيث استبعد الرجال بصورة تحكمية لصالح النساء."
إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة
4/5/2008 "برفض الدعوى. وبمصادرة الكفالة. وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ
مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة."
وجاء الرد علي
أسباب هذا الطعن علي النحو التالي :-
الرد علي السبب الأول (مخالفة نص المادة الثانية من الدستور)
وفي ذلك قال الحكم في
حيثياته "وحيث إن مؤدى نص المادة الثانية من الدستور –بعد تعديلها- أنه لا
يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها فهذه
الأحكام وحدها هي التي لا يجوز الاجتهاد فيها إذ تمثل من الشريعة الإسلامية
مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً.
ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعاً
لتغير الزمان والمكان.
وعلى خلاف هذا، تأتى الأحكام الظنية سواء في
ثبوتها أم دلالتها أم فيهما معاً. فهذه الأحكام هي التي تنحصر فيها دائرة
الاجتهاد، ولا تمتد إلى سواها، حيث تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها
وحيويتها، وعلى أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة
الإسلامية بما لا يجاوزها، متوخياً تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما يقوم عليه من
صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
ولئن جاز القول بأن الاجتهاد في الأحكام الظنية
حق لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتاً لولى الأمر يستعين عليه في كل
مسألة بخصوصها، وبما يناسبها بأهل النظر في الشئون العامة.
وأية قاعدة قانونية تصدر في هذا الإطار لا تحمل
في ذاتها ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكماً شرعياً
قطعياً، وتكون في مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم.
وحيث إن الحضانة –في
أصل شرعها- هي ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته، والقيام على
شئونه في الفترة الأولى من حياته، والأصل فيها هو مصلحة الصغير.
وحين يقرر ولى الأمر
حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية في مبادئها
الكلية-القطعية في ثبوتها ودلالتها- لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها،
ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحة الصغير ودفع المضرة
عنه، باعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة
لغيره.
وقد دل الفقهاء باختلافهم في زمن الحضانة، على
أن مصلحة الصغير هي مدار أحكامها، وأنها من المسائل الاجتهادية التي تتباين الآراء
حولها.
ومؤدى ذلك أنه يتعين ألا يكون سن الحضانة محدداً
بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ في اعتبارها تغير الزمان والمكان، بل يتسم بقدر من
المرونة التي تسعها في أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، وهى مرونة ينافيها
أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها. أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية
معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها.
وإذا كان لولى الأمر الاجتهاد في الأحكام الظنية
بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم برهانها من الأدلة الشرعية، فإن مانحاه النص
التشريعي المطعون فيه من تعديل في تحديد السن التي تنتهي بها حضانة الصغير، ورفعه
إلى خمس عشره سنة، دون تمييز بين ذكر أو أنثى، وإعطاء الصغير –عند بلوغه هذه السن-
حق الاختيار لا يعدو أن يكون تقريراً لأحكام عملية في دائرة الاجتهاد، أملتها
التغيرات التي طرأت على المجتمع والأسرة، بألا يصادم الشريعة الإسلامية في أصولها
الثابتة ومبادئها الكلية- وهو في ذلك لم يصدر عن نظرة تحكمية بل غايته رفع الحرج
وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون تقتضى عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته،
بما يخل بأمنه واطمئنانه ويهدد استقراره؛ اتساقاً مع المستجدات الاجتماعية والثقافية
وبما لا يخرج عن دائرة الاجتهاد-وإن كان له أن يخرج- أخذاً في الاعتبار أن الصغير
في هذه السن، قد أضحى أكثر تمييزاً وقدرة على تقدير الأصلح له، لما كان ذلك، وكان
المقرر أن وجود الصغير في يد حاضنته سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة أو بعد
بلوغها –حين يختار الصغير البقاء معها- لا يغل يد والده عنه، ولا يحد من ولايته
الشرعية عليه.
وكان النص المطعون عليه-سواء فيما يتعلق بتحديد
سن الحضانة أم في وجوب تخيير الصغير عندما يبلغ الخامسة عشرة من عمره- قد صدر
مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية، غير مناقض لمقوماتها الأساسية، واقعاً في نطاق
توجهاتها العامة التي تحض على الاجتهاد في غير أحكامها القطعية في ثبوتها
ودلالتها.
إذ كان ذلك فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة
الثانية من الدستور لا يكون لها محل."
الرد علي السبب الثاني (مخالفة المادة التاسعة من الدستور لما
يؤدى إليه من تفسخ الأسرة وانهيارها بجعل زمام الأمر في يد المرأة والصغير ) .
وجاء في الرد علي
السبب الثاني أنه "وحيث إن الحق في تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق
في صونها، بما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليماً
وتربوياً.
وكان دستور جمهورية
مصر العربية قد نص في المواد 9و 10و 11و12 على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها
الدين والأخلاق والوطنية.
وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية -وما تتمثل
فيه من قيم وتقاليد- هو ما ينبغى الحفاظ عليه، وتوكيده وتنميته في العلائق داخل
مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتها ضرورة تقدمها.
لما كان ذلك وكان
المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تحمل ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة
جديدة، تكفل في مضمونها المصالح الحقيقية التي يتعين أن تشرع الأحكام لتحقيقها،
وكان الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية وجوهر هذه
السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة
لاختيار ما يقرر أنه أنسب لمصلحة الجماعة وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها،
محققاً لما يهدف إليه من التنظيم الذي يشرع له.
فإذا كان قد قدر أنه بما أورده في النص المطعون
عليه يهدف من رفع سن الحضانة، وإعطاء الصغير الحق في الاختيار عند بلوغ هذه السن،
إلى تحقيق المصالح المشروعة للمحضون.
وبما يتلاءم مع ما طرأ على المجتمع من تغير
وتطور في ظروفه وثقافته، دون أن يضيق على الناس أو يرهقهم، فإنه -وقد التزم
الضوابط الدستورية في هذا الشأن- لا يكون قد خالف المادة التاسعة من الدستور أو
غيرها من النصوص المنظمة للحق في تكوين الأسرة وصيانتها."
الرد علي السبب الثالث (مناقضاً لمبدأ المساواة حيث استبعد
الرجال بصورة تحكمية لصالح النساء)
واستند الحكم في الرد علي هذا
السبب إلي أنه "وحيث إنه إذا كان الأصل في كل تنظيم تشريعي، أن يكون منطوياً
على تقسيم أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو
الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها.
إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل
نصوصه عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخي تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها
منطقياً، وليس واهنا أو واهماً أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها
التمييز المبرر دستورياً.
متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه-على ما سلف
البيان- قد جاء محققاً لما رآه المشرع أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد
حمايتها – في ضوء مقاصد الشريعة- ومدارها مصلحة المحضون، وليس الحاضن أو الحاضنة،
فإنه لا يكون قد تبنى تمييزاً تحكمياً لأحد الطرفين دون الآخر، كما أن الاختلاف
بين النصوص المتعاقبة التي تنظم موضوعاً واحداً لا يعد إخلالاً بمبدأ المساواة
إنما هو تعبير عن تغيير الدافع عبر مراحل زمنية مختلفة.
إذ كان ذلك وكان بقاء الصغير في حضانة الأم لا
يمنع من ممارسة الأب حقه في الولاية الشرعية، ولا يحد منها. فإن النص بذلك لا يكون
قد خالف المادة 40 من الدستور."
ورغم ما قضت به المحكمة الدستورية وهو قضاء
يستوجب الاحترام والتقدير ، إلا أن الواقع العملي والمشاكل الحياتية التي تثار علي
أرض الواقع، هي أبعد ما تكون عن هذا القضاء، فهذه المادة تغولت علي حق الآباء دون
جدال، وخصوصاً أنه بالنظر للتنظيم القانوني لحق الرؤية ولأحكام القضاء في الرؤية –
وسوف يأتي الكلام عنها بالتفصيل فيما بعد- نجد أن كل علاقة الأب بابنه تنحصر في
ثلاث ساعات أسبوعية وهي غير كافية ليمارس الأب ولايته علي الولد، فكان يجب علي
المشرع، حتى يستقيم هذا القضاء وهذا التشريع، أن يعدل أحكام الرؤية بما يتناسب مع
تمكين الآباء من ممارسة دورهم في رعاية وتربية الأولاد، وهذا لا يكون إلا بتقنين
الاستضافة والنص عليها صراحة فيكون من حق الآباء استضافة الأولاد عدد من الأيام
أسبوعياً يومين علي الإقل أسبوعياً حتى يتمكن الأب من ضم الأولاد إليه وتتحقق
المصلحة للجميع وتقوي ركائز المجتمع بأسره ولا يقوض الطلاق دعائمها.
ويكون عوضاً للأب عن الانتقاص
من مرحلة ضم الأولاد إليه وبهذا يحصل الإتزان والتوازن بين الطرفين ولا يشعر
أحدهما أن الآخر حصل علي أكثر من حقه فينعكس هذا سلبياً علي الصغير
ويتضح من ذلك أن هناك ثلاث حالات قد يتعرض لها الصغير في التربية
:-
الحالة الأولي:
وهي
حالة وجود الأب والأم معاً قبل الفرقة، حيث ينشأ الولد بينهما ويتربي في كنفهما
وبين أحضانهما ويتعلم منهما ويختزن بذاكرته ما يساعده علي التعامل مع المجتمع
المحيط به حينما يكبر، ويكتسب منهما المهارات التي تنفعه في حياته وتجعله إنسان
قادر علي التعايش مع المجتمع، وهذا الوضع هو الأفضل والأكمل والأمثل للولد لأنه
يربي بين أبويه معاً، ويتشبع من حنانهما وعطفهما وحبهما فينمو عقله وعاطفته بشكل
سليم ويتشبع بالعطف والحب الذي يقوي عاطفته الإنسانية،دون أن يصاب بأي أمراض نفسية
أو إحساس بالنقص لأنه يحظي برعاية تامة من أبويه .
الحالة الثانية:
أن يمكث الولد فترة طويلة في حضانة النساء ،
ويترتب علي ذلك أضرار بالغة الخطورة بالمجتمع، إذ يغلب علي هؤلاء الذين ينشأون بين
النساء مدة طويلة أن يكونوا مدللين منعمين، تغلب عليهم السلبية والهروب من المشاكل
لأنهم تعودوا على ذلك، وغير قادرين علي تحمل المسئولية وليس لهم إرادة قوية وحازمة،
غير قادرين علي التعامل مع المجتمع.
الحالة الثالثة:
أن يمكث الولد (الصغير والصغيرة) في حضانة
النساء حتى الاستغناء عنهم ويكون قادر علي القيام باحتياجاته بنفسه، وأن يكون في
سن صغيرة تسمح بالتربية، فينتقل إلي حضانة الرجال ليعيش في كنف أبيه بعد تجاوز سن
حضانة النساء، فيكون جمع بين الفائدتين حب الأم وحنانها وحزم الأب وصرامته وجديته
وحرصه عليه وحفظه له، فيكون الولد بذلك قد نال قدراً كبيراً من السلوكيات السليمة
والأخلاق القويمة، ونشئ متزن ومتوازن قادر علي التعامل مع المجتمع بالشكل اللائق،
غير منطوي أو خجول أو هارب، أو مصاب بأمراض نفسية، وتكون تلك الحالة هي الأقرب
للحالة الأولي التي ينشأ الولد فيها بين أبويه.
فالواقع العملي أنه
لا مناص من تعديل هذه المادة وإن كان هناك بد من رفع سن الحضانة إلي الخامسة
عشر–رغم أنه ليس من مصلحة الصغير من وجهة نظرنا– فيجب أن تنتهي حضانة النساء عند
هذا السن وتنتقل علي الفور الحضانة للرجال دون تخيير أو أن يعمل بنظام الاستضافة
حتى يخفف من وطأة هذا النص ويحدث التوازن الذي يقوي بنيان المجتمع.
التسميات
مقالات قانونية