الإبراء من أجر الحضانة



الإبراء من أجر الحضانة :-
أجرة الحضانة – كما سبق القول - كأجرة الرضاع لا تستحقها الأم حال قيام الزوجية حقيقة أو حكما ، لأن لها نفقة الزوجية أو نفقة العدة وتستحقها بعد انقضاء عدتها أو منعها من المطالبة بنفقة عدتها لمضي سنة من تاريخ طلاقها . وأما غير الأم فتستحق أجرة الحضانة مطلقاً ، وهي أيضاً من نفقة الصغير كأجرة رضاعة ، وتكون حقاً لمستحقتها من حين قيامها بها ، وتكون ديناً صحيحاً لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء ، ويصح لمن تستحقها أن تصالح أبا الصغير عنها علي بدل تأخذه ويلزم الأب بهذا البدل . ويراعي التفريق بين نفس الحضانة والأجرة عليها . فالحضانة بمعني تربية الصغير ممن هي حقها ليست حقاً خالصاً للحاضنة بل فيها حق للولد أيضاً لأن الشارع قدر مصلحة الولد في أن تمسكه أمه في سن معينة هي أقدر علي تدبير شؤونه فيها وفي أن يمسكه أبوه في سن بعد ذلك هو أقدر علي تدبير شؤونه فيها . فليس لأم الطفل أن تصالح أباه علي أن تتركه عنده في مدة حضانته علي بدل لأن هذا الصلح منها علي ما ليس حقاً خالصاً لها فلا يصح الصلح ولا يستحق البدل ، ولو اختلعت علي أن تترك ولدها عند أبيه مدة الحضانة فالخلع جائز والشرط باطل لأنه ليس خالص حقها .
وإذا امتنعت من الحضانة تجبر عليها مراعاة لحق الولد وليس لأبي الطفل أن يصطلح مع أمه علي تركه عندها بعد مدة حضانته . أما الأجرة علي الحضانة فهي خالص حقها تصالح عليها وتختلع نفسها بها وتتنازل عنها لأن صاحب الحق له التصرف فيه كيف يشاء .([1]) ويجوز للحاضنة إبراء أبي الصغير من أجر الحضانة عن متجمد أجرها في جميع الأحوال ، ولو كان الإبراء بغير مقابل .
أما بالنسبة لأجر الحضانة الذي يستحق في المستقبل ، فلا يجوز الإبراء منه ، لأنه لم يجب بعد وفي حكم المجهول ، والإبراء إسقاط لدين وجب الوفاء به فيكون الإبراء عنه إسقاط للدين قبل وجوبه فلا يجوز ، وإذا حصل وقع باطلا ، إلا أن الفقهاء استثنوا من ذلك الإبراء من أجر الحضانة المستقبل رغم أنه لم يصبح دينا في الذمة إذا كان نظير الطلاق ويكون الطلاق في هذه الحالة إما طلاقا علي مال أو خلعاً ، لأنه يكون إبراء بعوض هو تخليص المرأة من عقدة الزواج ، فكأنها استوفت الأجر باستيفاء بدله والاستيفاء قبل الوجوب جائز شرعاً .
والإبراء من أجر الحضانة مقابل الطلاق مانع من طلب فرضه حتى لو عادت المطلقة إلي عصمة زوجها بعقد جديد لأن البراءة من أجر الحضانة نظير الطلاق إنما هي معاوضة وقد استوفت الحاضنة عوضها عن ذلك وهو الطلاق فعودها بالمطالبة ببعض المعوض عنه جمع بين العوض والمعوض عنه وهو محظور شرعاً فلا تجاب إليه.([2]) وجاء بأحدي الفتاوي لفضيلة المفتي الشيخ حسونة النواوي أنه " بإفادة من نظارة الحقانية مؤرخة في 2 ربيع ثاني سنة 1314 ه مضمونها أنه مرسل ضمن السبع ورقات طيه صورة مادة تقرير نفقة وأجرة حضانة صدرت بمحكمة اسكندرية الشرعية بين علي ماضي ومطلقته ولطعنه في هذا  التقرير طلبت صورته ووردت بمكاتبة المحكمة المذكورة المؤرخة في 31 أغسطس سنة 1896 م بأمل الاطلاع عليها وإفادة النظارة بما يقتضيه الحكم الشرعي ومضمون صورة المادة المذكورة أنه بمحضر شاهدي المعرفة حضرت المرأة المكلفة نبيه بنت حسن بن محمد العواني وأحضرت معها الرجل المكلف أحمد علي ماضي وبعد تحقق معرفتهما عينا وإسما ونسبا بشهادة من ذكر وتحقق طلاقها منه طلاقاً ثانياً بائناً بالخلع علي نفقة عدتها ومؤخر صداقها وتحملها بنفقة حملها المستكن برحمها بعد انفصاله إن كان ذكرا فلسبع سنين وإن كانت أنثي فلتسع سنين وتحقق تقرير نفقة شرعية عليه لبنته منها زكية التي في حضانتها ولا مال لها عن كل يوم قرش واحد صاغا بموجب حجة شرعية محررة بجميع ذلك مسطرة في هذه المحكمة ومسجلة بها في 29 جمادي الثاني سنة 1313هـ عرفت المرأة المذكورة أن الحمل الذي كان مستكنا برحمها وقت طلاقها المذكور قد انفصل بعده بولد يسمي محمد الرضيع الفقير الذي لا مال له وفي حضانتها وأنها فقيرة جدا لا تملك شيئاً وأن أحمد علي المذكور هذا موسر قادر علي الإنفاق علي ولده محمد المذكور وأنها لما طلبت منه أن ينفق عليه علي أن يرجع عليها بما يدفعه لها من النفقة المذكورة إذا أيسرت لكونه لم يكن صاحب مائدة وأن يقرر لها أجرة حضانتها لوالديها المذكورين امتنع عن ذلك وطلبت من قاضي المحكمة المذكورة وحضرتي عضوي المجلس الشرعي بها تقرير نفقة شرعية عليه لولده المذكور وأجرة حضانتها له ولبنته منها زكية المذكورة. فبعد أن تحقق لديهم فقر المرأة المذكورة بشهادة الشاهدين المذكورين وتصديق المطلق المذكور علي ما ذكر جميعه قرروا علي أحمد علي المذكور نفقة شرعية لولده المذكور عن كل يوم من تاريخه عشرين فضة صاغاً مادام في حضانة أمه المذكورة ومادامت هي فقيرة ليرجع بها عليها إذا أيسرت وعشرين فضة صاغاً نظير أجرة حضانتها له عن كل يوم من تاريخه مادام في حضانة أمه المذكورة وعشرين فضة صاغاً أجرة حضانتها للبنت المذكورة عن كل يوم من تاريخه مادامت في حضانة أمها المذكورة . ورضيت بذلك المرأة المذكورة ، وطلبت من القاضي والعضوين المذكورين أمره بأداء النفقة وأجر الحضانة المذكورين إليها فعند ذلك أمروه بأداء النفقة وأجرة الحضانة المذكورتين إليها علي الوجه المشروح أعلاه صدر ذلك بحضور من ذكر أعلاه وضبط في 7 يونية سنة 1896 م و 25 ذي الحجة سنة 1313هـ  متتابعة مضبطة."
فأجاب فضيلته أنه " بالإطلاع علي هذه الإفادة المسطورة يمينه وعلي صورة مادة أحمد علي ماضي ومطلقته المسجلة بمحكمة ثغر الاسكندرية الشرعية في 15 يونية سنة 1896 م المشمولة بختم المحكمة المذكورة وعلي باقي الأوراق المتعلقة بذلك ظهر أنه ما تضمنته الصورة المذكورة من تقرير النفقة وأجر الحضانة علي الوجه المسطور بتلك الصورة موافق شرعاً ." ([3])


([1])  عبد الوهاب خلاف – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية علي وفق مذهب أبي حنيفة وما عليه العمل بالمحاكم – دار القلم للنشر والتوزيع - الطبعة الثانية 1410 هـ ، 1990 م – ص 197
([2])  المستشار / محمد عزمي البكري – موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية – الجزء الثالث – دار محمود للنشر والتوزيع – بند 97 -  ص 173
([3])  الفتاوي الإسلامية من دار الإفتاء المصرية – وزارة الأوقاف المصرية – المجلد الأول – القاهرة 1400ه ، 1980 - ص 259 - (  س 1 م 104 ص 66 – 4 ربيع آخر 1314 ه )

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال